الحراسة في سبيل الله
تعتبر الحراسة في سبيل الله من أعظم القربات وأعلى الطاعات وهي أفضل أنواع الرباط وكل من حرس المسلمين في موضع يخشى عليهم فيه من العدو فهو مرابط, ومع أن هذه الطاعة العظيمة باتت من المفقودات في هذا الزمان, حتى أنه أصبح القائم بها متهما ومطلوبا في زمن الذلة والمهانة والاستسلام, وما ذلك إلا لعلم العدو قبل الصديق أهمية وجود الخطوط المتقدمة للأمة ومكانة القائمين على هذه الخطوط!!.
ولا يعني ترك المسلمين لهذه العبادة عدم أهميتها أو انتقاص شأنها في ديننا بل إن المر خلاف ذلك تماما وقد نبه الله تعالى إلى هذا الأمر فقال جل جلاله: { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } وقال تعالى: { ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين }.
وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { تعِس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله , أشعث رأسه مغبرة قدماه, إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع }.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لأن أبيت حارسا خائفا في سبيل الله عز وجل أحب إلي من أن أتصدق بمائة راحلة.
وللحراسة في سبيل الله فضائل عديدة كثيرة منها: -
أولا: النار لا تمس عينا حرست في سبيل الله.
روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{ عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله }.
روى النسائي وأحمد والحاكم عن أبي ريحانة الأزدي رضي الله عنه قال:{ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأتينا ذات يوم على شرف فبتنا عليه فأصابنا برد شديد حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة يدخل فيها ويلقي عليه الحجفة ( الترس) فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس قال: من يحرسنا الليلة ؟ وأدعو له بدعاء يكون فيه فضل, فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله, قال ادن, فدنا, فقال من أنت ؟ فتسمى له الأنصاري, ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء, فأكثر منه, قال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم, قلت: أنا رجل آخر, قال: ادن, فدنوت, فقال: من أنت ؟ قلت: أبو ريحانة, فدعا لي بدعاء هو دون ما دعا للأنصاري ثم قال: حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله }.
ثانيا: شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حرس في سبيل الله أنه من أهل الجنة:
روى أبو داود وأبو عوانة والبيهقي والحاكم عن سهل ابن الحنظلية رضي الله عنه {أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله: إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين ! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله, ثم قال: من يحرسنا الليلة ؟ قال أنس بن مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله, قال له: اركب فركب فرسا له, وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: استقبل هذا الشعب حتى نكون أعلاه ولا نُغرّنّ من قبلك الليلة ! فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: هل أحسستم فارسكم ؟ قالوا يا رسول الله ما أحسسناه ! فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب, حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: ابشروا فقد جاء فارسكم, فجعلنا ننظر إليه خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت اطلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا... , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نزلت الليلة ؟ قال: لا إلا مصليا أو قاضي حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجبت, فلا عليك ألا تعمل بعدها }.
ثالثا: حراسة ليلة في موضع يخاف على نفسه أفضل من ليلة القدر.
روى البيهقي والحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { ألا أنبئكم ليلة أفضل من ليلة القدر ؟ حارس حرس في أرض خوف لعله إن لا يرجع إلى أهله }.
رابعا: حراسة ليلة أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها.
أخرج ابن عساكر عن أرطأة بن المنذر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لجلسائه: أي الناس أعظم أجرا؟ فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين ! فقال ألا أخبركم بأعظم الناس أجرا ؟ ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين ؟ قالوا: بلى, قال: رويجل بالشام آخذ بلجام فرسه يكلأ ويحرس من وراء بيضة المسلمين لا يدر: أسبع يفترسه ؟ أم هامة تلدغه ؟ أم عدو يغشاه ؟ فهذا أعظم أجرا ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين...!!